Université Méditerranéenne de la Francophonie (UMF)

« تأثير الحد من الفقر على الحد من الجريمة بأحياء الصفيح : نموذج « سيدي مومن

:تأثير الحد من الفقر على الحد من الجريمة بأحي

  • اء الصفيح
    « نموذج « سيدي مومنمحمد قديري
    مقدمة
    يعتبر الإحساس بالأمن من أهم مكونات العيش الكريم، إن على المستوى القريب أو على المستوى البعيد، علما بأن ذلك لا ينحصر فقط في الأمن بمعناه الضيق، بل ينطبق على الأمن الغذائي، والأمن في الشغل، والأمن في الصحة، إلى غير ذلك من المجالات التي تحيط بالمعيش اليومي والذي قد يساهم في تحسن الأوضاع أو في تدهورها، ولا مناص من أنه يعتبر بهذا المعنى من أهم مجالات التنمية الإجتماعية في شموليتها.
    ولا يفوتنا هنا أن نؤكد بأن الأمن الإقتصادي هو أهم مداخل الأمن الإجتماعي، على إعتبار أن المس به يؤدي مباشرة إلى فقر المجتمعات، و بالتالي تغير نمط عيشهم اليومي الذي قد يخرج بحكم الحاجة والحرمان عن منظومة المعايير والقيم السائدة بالمجتمع، وذلك من قبيل شيوع الجريمة بين الفقراء.
    إلى أنه و قبل تناول هذا الموضوع بالتفصيل، نود أن ندلي ببعض التعاريف التي تسهل ضبط مفهوم الفقر والمفاهيم المتداخلة معه مثل الحرمان والإستبعاد الإجتماعي.

تأثير الحد من الفقر على الحد من الجريمة بأحياء الصفيح:
نموذج « سيدي مومن »

محمد قديري
مقدمة
يعتبر الإحساس بالأمن من أهم مكونات العيش الكريم، إن على المستوى القريب أو على المستوى البعيد، علما بأن ذلك لا ينحصر فقط في الأمن بمعناه الضيق، بل ينطبق على الأمن الغذائي، والأمن في الشغل، والأمن في الصحة، إلى غير ذلك من المجالات التي تحيط بالمعيش اليومي والذي قد يساهم في تحسن الأوضاع أو في تدهورها، ولا مناص من أنه يعتبر بهذا المعنى من أهم مجالات التنمية الإجتماعية في شموليتها.
ولا يفوتنا هنا أن نؤكد بأن الأمن الإقتصادي هو أهم مداخل الأمن الإجتماعي، على إعتبار أن المس به يؤدي مباشرة إلى فقر المجتمعات، و بالتالي تغير نمط عيشهم اليومي الذي قد يخرج بحكم الحاجة والحرمان عن منظومة المعايير والقيم السائدة بالمجتمع، وذلك من قبيل شيوع الجريمة بين الفقراء.
إلى أنه و قبل تناول هذا الموضوع بالتفصيل، نود أن ندلي ببعض التعاريف التي تسهل ضبط مفهوم الفقر والمفاهيم المتداخلة معه مثل الحرمان والإستبعاد الإجتماعي.
لقد عرفت الأمم المتحدة الفقر بأنه:
« أكثر من مجرد نقص مادي، إنه حلقة غير منتهية من الحرمان المتعدد من العيش الكريم للأفراد والأسر والجماعات. إنه يعني من بين معاني أخرى، عدم الإكتفاء الغذائي كما وكيفا، وعدم التوفر أو التوفر المحدود على الخدمات الصحية وخدمات التعليم، والحد من الحريات ومن القدرة التمثيلية للفقراء. إنه الخوف المستمر من الغد، يعيش معه الفقراء اليوم بيومه.إنه يعني الإقصاء، الذي يكون معه الفقراء « غير مرئيين »، وبدون صوت سياسي أو قوة تساعدهم على إصلاح ظروف عيشهم »( )
ماالفرق إذن بين الفقر والحرمان والاستبعاد (أو الإقصاء)، ذلك أن التعريف السابق لا يميز فيما بينهم، علما أن التفريق بين هذه المفاهيم سوف يقدم لنا خدمة كبيرة إبان التعليق على النتائج الأمبريقية، ولذلك فإن الفرق بينها هو أنه:

 » تسعى بحوث الفقر إلى تحديد هؤلاء الذين تكون مشاركتهم في المجتمع منقوصة بسبب قلة الموارد، وإلى التركيز على الدخل المتدني بوصفه مؤشرا على ذلك. وتقوم بحوث الحرمان المتعدد بتوسيع نطاق المؤشرات، ولكن الغرض منها يظل التوصل إلى تحديد دقيق للأفراد الذين تنقصهم الموارد المطلوبة للمشاركة. وتسعى مقاييس الإستبعاد الإجتماعي إلى عدم الإقتصار على تعيين هؤلاء الذين تنقصهم الموارد، بل تضم اليهم كذلك أولئك الذين تنجم عدم مشاركتهم عن أسباب مختلفة: كالتمييز، أوالمرض المزمن، أو الموقع الجغرافي، أوالهوية التقافية مثلاً. ويبقى نقصان الموارد المادية سببا رئيسيا، ومهما لعدم المشاركة ولكنه لا يستوعب كل هذه الإعتبارات الممكنة » .
وللتعرف على أسباب ونتائج هذا الوضع على الحياة الإجتماعية ارتأينا أن نقوم ببحث في هذا الصدد، وذلك في أحد الأوساط الأكثر تعرضا لعدم الإحساس بالأمن بهذا المعنى، ويتعلق الأمر بمجموعة من أحياء الصفيح بمدينة الدار البيضاء، وبالضبط بمقاطعة سيدي مومن التابعة لعمالة مقاطعات البرنوصي.
الفقرة الأولى: الإشكالية
أولا: السؤال الأولي
لقد كان الهدف في هذا البحث، هو معرفة النتائج المتعلقة بالجواب على السؤال الأولي الذي صغناه كالتالي:
ما هو تأثير الحد من الفقر بأحياء الصفيح على الحد من الجريمة داخل هذه الأحياء؟
بحيث يتبين من خلال هذا السؤال أن هناك متغير تابع هو مدى الحد من الجريمة داخل أحياء الصفيح، هذا المدى الذي لا يمكن معرفته إلا من خلال معرفة المقدار التي يجب التوصل إليه في خضم القضاء على الفقر بهذه الأحياء.
ويظهر جليا في هذا الخضم أننا قمنا بربط الحد من الجريمة بالحد من الفقر على حد سواء، ولعل ذلك يحيل من وجهة نظرنا على المفاضلة بين المقاربة الأمنية والمقاربة الإجتماعية التنموية في القضاء على الجريمة، ولسوف يظهر ذلك بوضوح في هذه الدراسة بعد المعالجة المعمقة للمعطيات الميدانية.
إننا نقصد بالجريمة، تلك السلوكات العدائية التي يواجه بها سكان هذه الأحياء بعضهم البعض، أو يواجهون بها غيرهم ممن ينخرط معهم في بعض تلك الأعمال مثل الأجانب عن الحي الذين يقتنون المخدرات، وتشمل تلك السلوكات الضرب والجرح، والسرقة بجميع أنواعها،و تجارة المخدرات والتي تكاد تكون طبيعية لدى الساكنة وخاصة في الآونة الأخيرة،هذا إضافة إلى جرائم القتل والإغتصاب في بعض الأحيان.

إن الأثر السلبي الكبير و الذي يمكن أن ينشأ عن إرتكاب مثل هذه الجرائم، هو الإحساس الإرتدادي الذي يعتمر بنفسية جزء من ساكني الأحياء موضوع الدراسة، ذلك أنهم يحسون بأنهم مركز للشر ومصدر الإجرام، وأنهم لأجل ذلك مستهدفون من طرف الدولة ممثلة بالأجهزة الأمنية من جهة، ومن طرف المواطن العادي في إطار التوقعات والأحكام القيمية التي يتم معها إلحاق الجريمة بهذه الأحياء من جهة أخرى، وأنها السبب الرئيسي في إنتشار الجريمة، بل وشيوعها بمدينة الدار البيضاء كلها، ولذلك سنرى بأن لمتغير »الحديث عن الجريمة » وشيوع أخبارها تأثير كبير على الإستقرار النفسي للساكنة من عدمه.
إن للإحساس بالأمن أثر كبير في الإندماج الإجتماعي، ذلك أنه يعطي صورة واضحة عن مدى رضا ساكنة أحياء الصفيح عن واقعها، وبالتالي فإلى أي مدى يمكنها أن تحتج ضد هذا الواقع في حالة عدم الرضا عنه. سواء بطريقة مباشرة من خلال إرتكاب جرائم تضر إما بالسلامة الجسدية للغير، أو بممتلكاته المادية، أو غير مباشرة من خلال جرائم تعتبر منطلقا لاختلالات أخرى، وذلك من قبيل تجارة المخدرات بجميع أنواعها.
بالعودة إلى الإحصائات الوصفية التي توصلنا إليها في هذه الدراسة، تبين أن نسبة الذين يحسون بأنهم بأمان داخل الحي تصل إلى 55%، في حين أن الذين لايحسون بالأمان كانت هي 45%. أما بالنسبة لعدد الجرائم المرتكبة، وهل هو صغير أم كبير، فقد كانت نسبة الذين اعتبروا أن عدد الجرائم المرتكبة بالحي أو بقربه كبير، كانت هي 43%، في حين أن الذين اعتبروا أن هذا العدد صغير، فقد كانت نسبتهم هي 57% . على العكس من كل ذلك، كانت نسبة الذين سمعوا عن إحدى الجرائم أو شاهدوها أو كانوا ضحية إحداها جد مرتفعة إذ بلغت 92 %، مقابل العدد القليل من المستجوبين الذين لم يسبق لهم أن سمعوا عن إحدى الجرائم أو شاهدوها أو كانوا ضحية إحداها، والذي يتمثل في نسبة 8% من المستجوبين.
ويظهر جليا بأن النسبة الكبيرة تعود من جهة إلى العدد الكبيرمن الستجوبين الذي سمعوا عن الجرائم أو شاهدوها (من قبيل تجارةالمخدرات، بحيث أن الزبائن يأتون من كل المناطق، بما فيها تلك التي تقع خارج مدينة الدار البيضاء)، ومن جهة أخرى، فإن الذين كانوا ضحايا الجرائم لم يتعرضوا لها في نفس الحي بل من خارجه. ولقد وقفنا على هذه التصريحات بعد ملئ الإستمارات، إذ صرح غالبية المستجوبين بأنه، باستثناء بيع المخدرات و الجرائم التابعة لها، كالضرب و الجرح، و استعمال السلاح الأبيض و غيرها، و التي تقع في مجملها داخل الحي وقد يكون ضحيتها أيضا أشخاص غرباء، فإن الجرائم الأخرى غالبا ما ترتكب خارج الحي مع الأجانب أو الذين قد يكونون من سكان أحياء أخرى، وخاصة جرائم الإغتصاب والقتل.
و تبقى المسألة المهمة هي محاولة الإجابة عن الأسئلة الفرعية التالية :كيف السبيل إلى الحد من الجريمة أو القضاء عليها نهائيا؟ وما هي الأسباب المتحكمة في إرتفاع نسبة الجريمة؟ وهل يعتبر الفقر أحد هذه الأسباب؟ أم أنه مجرد عامل من العوامل التي تخلق مجتمعة بيئة مواتية لانتشار الجريمة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي النسبة التي يساهم بها كسبب في اختلال الأمن بهذه الأحياء؟
ثانيا: فرضيات الدراسة
من خلال السؤال الأولي الذي سبق وأن تطرقنا إليه يظهر بأن العلاقة بين متغيري الدراسة يمكن أن تأخد أحد الأشكال الثلاثة، بحيث يتمخض عن ذلك ثلاث نتائج: أن احتمال الحد من الفقر يؤدي إلى الحد من الجريمة، بحيث تكون العلاقة بين المتغيرين علاقة طردية، ذلك أن النقصان من أحدهما يؤدي إلى النقصان في الآخر، أو أن احتمال الحد من الفقر لا يؤدي إلى أي تغير في مستوى الجريمة، بحيث تكون العلاقة بين المتغيرين علاقة سلبية، ذلك أن النقصان أو الزيادة في أحدهما لا يؤدي إلى أي تغيير في الآخر، أو أن احتمال الحد من الفقر يؤدي إلى الزيادة في مستوى الجريمة، بحيث تكون العلاقة بين المتغيرين علاقة عكسية. ذلك أن النقصان في أحدهما يؤدي إلى الزيادة في الآخر.
إلا أن هذه الإمكانية لا تتوقف عند المتغيرين في كليهما بل تتعداهما إلى مكونات كل منهما، ومدى الإمكانية التي يطرحها كل مكون على حدة في علاقته بالمكونات الأخرى، و نوعية العلاقة التي تربطه بها (طردية، عكسية أم سلبية)، ودون أن نعود إلى هذه الإمكانيات بجميع تفاصيلها، نعالجها مباشرة من داخل فرضيات الدراسة كالتالي:
الفرضية الأولى: أنه كلما كان الحد من مستوى الفقر كبيراً، كلما كان الحد من مستوى الجريمة بدوره كبيرا، بحيث أن العلاقة بين المتغيرين علاقة طردية.
الفرضية الثانية: أن متغير الفقر يتغلغل حتى في المكونات التي يبدو من الناحية الوصفية أنها من مكونات متغير الجريمة.
الفرضية الثالثة: أن متغير الشغل والذي هو أحد مكونات القضاء على الفقر، يرتبط عكسيا بمتغير الحد من الجريمة، بحيث أنه كلما كان الشخص راضيا عن شغله كلما كان الحد من الجريمة مرتبط بحلول أخرى غير حل الحد من الفقر.
ثالثا: المنهج المعتمد
بعد التوصل إلى حساب العينة البالغ عددها 300 مستجوب وفق القواعد الإحصائية التي لا تأخذ بعين الإعتبار سوى 5% من هامش الخطأ، تم توزيعهاعلى الأحياء الصفيحية المتواجدة بسيدي مومن (كريان سيدي مومن لقديم، وكريان الرحامنة، كريان دراعو، وكريان الغالية، وكريان زرابا، كريان عريب، كريان الغالية، والحي الحديث الذي إنبثق عن كريان السكويلة و كريان طوما)، كل حسب قوته التمثيلية في المجتمع الكلي.
كما أننا اعتمدنا في توزيع العينة على تقسيمها إلى أربع فئات كالتالي:
أولاً: النوع، وهو متغير يتم بمقتضاه تقسيم أفراد العينة إلى نساء ورجال حسب درجات تمثيليتهما في المجتمع الأصلي.
ثانياً: المستوى الدراسي، ويتم بمقتضاه تقسيم العينة إلى ست فئات، فئة غير المتمدرسين، فئة التعليم ما قبل الأولي، فئة التعليم الأولي، فئة التعليم الإعدادي، فئة التعليم الثانوي، تم فئة التعليم العالي.
ثالثاً: النشاط المهني، ويتضمن لدى الرجال فئتين (الفئة النشيطة، وفئة التلاميذ والطلبة)، ولدى النساء ثلاث فئات ( ربات البيوت، الفئة النشيطة، والتلميذات أو الطالبات).
رابعاً: الفئات العمرية، و تم توزيعها إلى ست فئات، كل فئتين في جيل، من 16 إلى 25 سنة، ومن 26 إلى 35 سنة (الجيل الثالث). من 36 إلى 45 سنة، ومن 46 إلى 55 سنة (الجيل الثاني). من 56 إلى 65 سنة، ومن 66 سنة فما فوق (الجيل الأول).
بعد الحصر النهائي للعينة المستجوبة، تم تهيئ الإستمارات اللازمة لذلك العدد، وهي التي تضمنت 96 سؤالاً، توزعت على تسع محاور كبرى:
المحور الأول وهو التعريف بالمبحوث، ويتضمن 11 سؤالا، وتكمن أهميته في تحديد الهوية الخاصة بكل مبحوث على حدة.
المحور الثاني، الظروف العامة التي رافقت المجئ إلى الحي الصفيحي أول مرة، و يتضمن 22 سؤالا، تدور كلها حول الظروف الإجتماعية التي ميزت حياة الشخص الذي قدم أول مرة إلى الحي.
المحور الثالث: العلاقة فيما بين الأجيال، و يتضمن 18 سؤالا، يعالج من خلالها هذا المحور، التفاعلات التي يعرفها الأبناء مع آبائهم أو أجدادهم إن وجدوا، والمساعدات المتبادلة بين ساكني أحياء الصفيح من نفس الجيل أو من أجيال مختلفة.
المحور الرابع: و يحمل عنوان التضامن الأسري، و يشتمل على 4 أسئلة، و يحتل أهمية كبرى في هذا البحث، خاصة و أنه يحيل على الإمكانيات التي تتيحها الأسر لنفسها و لأبنائها من خلال التعاون المحتمل بين أفرادها.
المحور الخامس: ويهتم بالتضامن داخل الحي، من خلال 9 أسئلة، يسعى من خلالها هذا المحور لمعرفة مستوى الإلتحام والتضامن بين ساكنة نفس الحي، وماهية الأسباب المؤدية لذلك، وماهية أسباب عدم وجود ذلك التضامن إن لم يكن.
المحور السادس، وهو المكانة المهنية للمستجوب وما إذا كان راضيا عن شغله الحالي أم ناقما عليه، وكذلك الأمر بالنسبة للأجرة التي يتقاضاها. وتظهر هذه المواقف بكل وضوح من خلال الأسئلة 11 المكون منها هذا المحور.
المحور السابع، ويدور –من خلال أسئلته 11- حول التعليم والتكوين، وما إذا كان رب الأسرة قد أكمل تعليمه في المرحلة الإبتدائية أم لا، وما أثر ذلك على قابليته للتكوين من أجل الشغل، وما هي توقعاته المحلية والوطنية حول مستقبل التكوين.
المحور الثامن، و يعنى بجودة الخدمات العمومية، ويتكون من سؤالين يحاولا أن يتناولا أغلب الخدمات العمومية، من أجل أن يقيمها المستجوب حسب مستواه، وظروفه الإجتماعية.
المحور التاسع، ويهتم من جهته بإختلال القيم والمعايير، والأسباب الكامنة وراء ذلك والحلول المقترحة، كل هذا من خلال 8 أسئلة.
وتجدر الإشارة بهذا الصدد أنه قد تم ملء الإستمارات المذكورة، وفقا لتقسيم العينات حسب الفئة ومدى تمثليتها في المجتمع الأصلي، وبعد مراجعتها والتأكد من فعاليتها ووضوحها، تم إدخال المعطيات في البرنامج الخاص بمعالجة المعطيات التي تعود إلى العلوم الإجتماعية (الحزمة الإحصائية الجاهزة للعلوم الإجتماعيةSPSS الإصدار 21).
للإجابة على السؤال الأولي، وبالتالي التأكد من فرضيات الدراسة قررنا القيام بتوفيق نموذج إحصائي سنسعى فيه إلى الجمع بين المتغيرات التي لها علاقة بالحد من الجريمة، وذلك من خلال المعطيات الميدانية التي تحصلت لدينا بعد الإنتهاء من إجراء البحث، وهذا النموذج هو الإنحدار اللوجستي.

الفقرة الثانية: تحليل المعطيات
أولا :أسباب إختيار النموذج
لقد إخترنا هذه التقنية الإحصائية التي هي الإنحدار اللوجستي، لأنه عند مقارنته بالأساليب الأخرى يبدو هوالأقوى، و قوته تكمن في أنه يوفر قياسا لمعنوية المتغيرات المستقلة و أثرها على المتغير التابع الثنائي القيمة، هذا إضافة إلى أنه يرتب هذه المتغيرات حسب قوة تأثيرها و تفاعلها مع المتغير التابع، بحيث يسمح ذلك للباحث بالإستنتاج بأن متغيرا بعينه هو الأقوى في إحداث الأثر، و في فهم النتيجة المطلوبة، كما أن من مزايا الإنحدار اللوجستي، أنه أقل حساسية إتجاه الإنحرافات عن التوزيع الطبيعي لمتغيرات الدراسة، الأمر الذي يجعل منه الأسلوب الأفضل في حالة المتغير التابع ثنائي القيمة « Variable dichotomique »، و يسمى هذا النوع بالإنحدار اللوجستي الثنائي. »La régression logistique binaire ».

ثانيا: مفهوم الإنحدار اللوجستي
قبل تناول مفهوم الإنحدار اللوجستي، لابد من الإشارة إلى أنه يعتبر نموذجا تفسيريا للعلاقة، أو العلاقات السببية التي يمكن أن تنشأ بين المتغيرات، و من ثم ترجمة تلك العلاقات في شكل معادلة رياضية ترمي إلى تلخيص و تجميع المكونات الأساسية للظاهرة قيد الدراسة، كما أن صياغة المعادلة السببية في النموذج الذي يتم بناؤه من قبل الباحث تكون وفق فرضية يحددها هذا الأخير طبقا لما يراه من إرتباط و تأثير بين المتغيرات السببية، و المتغيرات المتأثرة بها.
و يشترط عند إقامة نموذج سببي الأخذ في الإعتبار بالنقاط التالية :
– تحديد العلاقة بين المتغيرات المستقلة و المتغير التابع وفقا للأسس المنطقية أو النظريات العلمية، و مراعاة الترتيب فيما بينهما وفق قوة تأثير كل منها، و ملائمة البيانات أو المعطيات مع النموذج المفترض.
– تحديد الشكل الرياضي للنموذج، و يقصد بها تحويل مجموعة من الفروض النظرية المرتبطة بمتغير الدراسة،إلى معادلات لغرض بناء النموذج، و تدعى هذه الخطوة بالتخصيص « la spécification ».
– تشخيص كل معادلة في النموذج و تدعى هذه الخطوة بالتشخيص « l’identification ».
– إيجاد التقديرات الإحصائية للمعاملات في النموذج المفترض.
– تقييم أداء النموذج السببي بإجراء الإختبارات المناسبة.
– تحليل النموذج و تفسير نتائجه و صياغة التوصيات الملائمة.
يتم تعريفالإنحدار اللوجستي على أنه « أسلوب إحصائي لفحص العلاقة بين المتغير التابع ذي المستوى الإسمي و متغير واحد أو أكثر من المتغيرات المستقلة، و التي تسمى أحيانا متغيرات مصاحبة أو متغيرات مفسرة، بحيث تكون تلك المتغيرات المستقلة من أي نوع من مستويات القياس » .
في سياق هذا البحث يقصد بتحليل الإنحدار اللوجستي »Analyse de la régression logistique » الأسلوب الإحصائي الذي بمقتضاه سيتم فحص و توفيق العلاقة بين متغير تابع أو داخلي « variable endogène » ثنائي القيمة، يتبع توزيع « بيرنولي » « bernolli »، يأخذ القيمة (1) بإحتمال (p)، أي إحتمال حدوث الإستجابة، و القيمة (0) بإحتمال (p-1)، أي عدم حدوث الإستجابة، و متغير واحد أو عدة متغيرات مستقلة أو توضيحية أو خارجية « variables exogènes »، و الخروج بخلاصات وإستنتاجات منطقية تخص الموضوع قيد الدراسة، بحيث يكون في هذه الحالة المتغير ثنائي القيمة هو: الحل المقترح للقضاء على الجريمة بأحياء الصفيح، و الذي تم تقسيمه إلى قيمتين:
الأولى: أن الحل المقترح هو الحد من الفقر، و يرمز لها بالرمز (1) ، و هو يعني أيضا إحتمال حدوث النجاح أو الإستجابة بأن يكون جواب المستجوب بأنه للحد من الجريمة يجب الحد من الفقر.
الثانية: أن الحل يكمن في إجراءات أخرى، و يرمز لها بالرمز(0)، و هو يعني إحتمال حدوث الفشل أو عدم الإستجابة، و يتحقق ذلك عندما تكون إجابة المستجوب بأنه للحد من الجريمة يجب اللجوء إلى حلول أخرى غير الحد من الفقر.
إلا أنه وقبل البدء في تحليل المعطيات المتعلقة بالحلول المقترحة للحد من الجريمة، نشير إلى أننا قمنا بإجراء تحليل عاملي إستكشافي لتحديد مدى إلتحام المتغيرات في بعد واحد، و ذلك حتى لانقوم بتناول أكثر من متغير في نفس البعد، و عند تفحص النتائج تبين من خلال إخضاع جميع المتغيرات التي لها علاقة بالبعد الأمني إلى التحليل أنها تنقسم إلىبعدين:
البعدالأول: جمع بين المتغيرات التي تعود إلى الحقائق المادية والواقعية المتعلقة بالجريمة، و قد جمع بين المتغيرات التالية:
– متغير سبب قيام بالجريمة (cs_crim)؛
– متغير طبيعة الجريمة(ntr_crim_qrt) ؛
– متغير الحل المقترح للقضاء على الجريمة(sltion_crim) .

البعدالثاني: و قد جمع بين المتغيرات التي تعود إلى توقعات الناس، أو إحساسهم، أو آرائهم الشخصية حول الأمن داخل الحي وما يتعلق به، و يضم المتغيرات التالية:
– متغير الإحساس بالأمن(sent_scriti) ؛
– متغير الثقة في رجال الأمن(cnfce_police) ؛
– متغير تقييم جودة الخدمات الأمنية(qlt_scriti) ؛
– متغير الثقة في رجال القضاء(cnfce_juges) ؛
– متغير السماع عن إحدى الجرائم، أو الوقوع ضحيتها، أو مشاهدتها (entnd_crim) .
و الملاحظ أن أقوى الإرتباطات هي تلك التي سجلتها المتغيرات الثلاث بالبعدالأول، و قد كانت كالتالي:
– متغير سبب القيام بالجريمة(cs_crim) ، بمعامل إرتباط يساوي 0.861.
– متغير طبيعة الجريمة(nat_crim_qrt) ، بمعامل إرتباط يساوي 0.847
– متغير مقترحات الحد من الجريمة(sltion_crim) ، بمعامل إرتباط يساوي 0.845

ولكل هذه المطيات ارتأينا أن نقوم بتحليل متغير المقترحات المقدمة للحد من الجريمة، كمتغير ينوب عن باقي المتغيرات المتضمنة في البعد الأول من جهة، ومن جهة أخرى لأنه يقدم حلولا تم إقتراحها من طرف الساكنة نفسها، مما يكون من شأنه تسهيل إتخاذ القرار من طرف الهيئات الإدارية و السياسية المعنية بتدبير السياسات العمومية، ومساعدتها على وضع حلول وفق مقاربة تشاركية تحترم الأوضاع الراهنة والمستقبلية لساكني هذه الأحياء.
ثالثا :المتغيرات المستقلة المعتمدة في التحليل
ونتناول الآن في هذا العنصر، النموذج التحليلي الرياضي الذي يكشف بدقة عن واقع الحلول المقترحة من لدن ساكنة أحياء الصفيح، وطبيعة المتغيرات التي تتحكم في هذه الحلول. سوف نقوم بجلاء هذه الأسباب من خلال متغيرات النموذج اللوجستي الذي سيتم إعتماده في هذا التحليل. إلا أنه قبل ذلك لابد من العودة إلى تحديد المتغير التابع الثنائي الإستجابة و المتمثل في الحل المقترح، بحيث أن حدوث الإستجابة يحدد إنطلاقا من الإجابة « الحد من الفقر »، و التي يرمز لها بالرمز (1) ، أي رمز حدوث الإستجابة، أو النجاح، في حين أن عدم حدوث الإستجابة يتمثل في الجواب « حلولا أخرى »، و التي يرمز لها بالرمز (0)، أي رمز عدم حدوث الإستجابة، أو الفشل.
أما المتغيرات المستقلة التي سوف يتم تضمينها في النموذج اللوجستي، فإنها كانت عبارة عن عملية توليف لخمس متغيرات، لها كلها نسبة معينة من التأثير على متغير الحلول المقترحة للحد من الجريمة، و يتم إستعراضها كالتالي:
المتغير المستقل الأول (X1)، هو « عدد الجرائم المرتكبة خلال أسبوع »، و قد تم التوصل إليه من خلال طرح السؤال: ما هو عدد الجرائم المرتكبة خلال أسبوع بهذا الحي على حد علمك؟ وكانت صياغة الإجابة عن هذا السؤال وفق قيمتين:
الأولى و هي أن عدد الجرائم التي تم إرتكابها خلال أسبوع واحد كان » كبيرا » (أي ثلاث جرائم فما فوق)، و قد تم ترميز هذه الإجابة بالرمز (0)، و الذي إضافة إلى أنه يشير إلى رمز للإجابة، فإنه في نفس الوقت يشير إلى إحتمال حدوث حالة الفشل، أي بأن يكون عدد الجرائم « كبيرا »، وبالتالي عدم إستجابة المتغير المستقل للعلاقة التي تربطه بالمتغير التابع.
في حين أن القيمة الثانية هي أن يكون عدد الجرائم « قليلا »، والتي تم فيها تحديد الإجابة بالرمز (1) ، والذي يشير إلى إحتمال حدوث النجاح، أي إستجابة هذا المتغير المستقل للعلاقة التي تربطه بالمتغير التابع.
المتغير المستقل الثاني (X2)، و يتمثل في « سبب حدوث الجرائم »، هل هو « الفقر » أم « أمور أخرى »، بحيث حملت الإجابة الأولى، و هي « الفقر » الرمز (1)، أي إحتمال حدوث حالة النجاح، وذلك بأن تقع استجابة المتغير المستقل لمحددات المتغير التابع لهذه القيمة، في حين تم ترميز القيمة « أمور أخرى » بالرمز (0)، الذي يعني إحتمال حدوث حالة الفشل، أو عدم الإستجابة.
المتغير المستقل الثالث(X3)، و هو « رضا المستجوب عن عمله الحالي »، بأن يجيب المستجوب عن السؤال : هل أنت راض عن عملك الحالي؟ لتحمل الإجابة « راض » الرمز (1)، و الذي يشير إلى إحتمال حدوث حالة النجاح، في حين تحمل الإجابة « غير راض » الرمز (0)، و الذي يشير بدوره إلى إحتمال حدوث حالة الفشل.
المتغير المستقل الرابع(X4)، هو « تواجد المستجوب مع أحد أقاربه في نفس مكان عمله »، فإذا كانت الإجابة « نعم »، يكون الرمز الخاص بهذه القيمة هو (1)، و هو إحتمال حدوث حالة النجاح، أما إذا كانت الإجابة أنها « لا »، فإن الرمز يكون هو (0)، أي إحتمال حدوث حالة الفشل في أن لا تكون الإستجابة.
المتغير المستقل الخامس(X5)، فهو « سبب قدوم أول شخص من الأسرة إلى الحي الصفيحي »، و لقد تم ترميز الإجابة عن السؤال ما الذي دفع بأول شخص للقدوم إلى الحي الصفيحي؟ بحيث يحتوي على قيمتين :
الأولى أن تكون الإجابة أن سبب القدوم هو « البحث عن الشغل »، و يرمز لها بالرمز (1)، أي إحتمال حدوث حالة النجاح. و الثانية أن تكون الإجابة بأن سبب القدوم « أمور أخرى »، و يرمز له بالرمز (0)، أي إحتمال حدوث الفشل.
بالانتهاء من تعريف المتغيرات المستقلة التي تم إدماجها في النموذج، يمكن كتابة معالم هذا الأخير على الشكل
loge(p/1-p) = a+b1x1+b2x2+b3x3+b4x4+b5x5 التالي:

رابعا: فرضيات النموذج اللوجستي لتفسير الحلول المرتقبة للحد من الجريمة بأحياء الصفيح
بعد كتابة النموذج مع معالمه، سنقوم الآن بوضع الفرضيات الصفرية التي تهم النموذج ككل، و تلك التي تتعلق بالمتغيرات المستقلة لكل واحد على حدة، إن هذه الفروض تحاول أن تجيب بصفة عامة عن السؤال الرئيسي و المتعلق بهذا المحور من البحث و الذي هو : ما مدى ملائمة نموذج الإنحدار اللوجستي لتوفيق بيانات المتغيرات المعتبرة مؤثرة فيالحلول المرتقبة للحد من الجريمة بأحياء الصفيح.
و إنطلاقا من هذا السؤال المركزي يمكن كتابة الفرضيات الصفرية بالشكل التالي :
الفرضية الأولى : أن جميع متغيرات النموذج اللوجستي المعتمد تساوي صفر.
الفرضية الثانية : أن معنوية معامل الإنحدار b1 لمتغير « عدد الجرائم المرتكبة خلال أسبوع « ، تساوي صفر في المجتمع الذي سحبت منه العينة، و هو ما يفيد بأن ليس لهذا المتغير أي تأثير على متغير « الحلول المقترحة للحد من الجريمة ».
الفرضية الثالثة : أن معنوية معامل الإنحدار b2 لمتغير « سبب حدوث الجرائم »، تساوي صفر في المجتمع الذي سحبت منه العينة، و هو ما يعني أن هذا المتغير ليس له أي تأثير على متغير »الحلول المقترحة للحد من الجريمة « .
الفرضية الرابعة : أن معنوية معامل الإنحدار b3 لمتغير « رضا المستجوب عن عمله الحالي »، تساوي صفر في المجتمع الذي سحبت منه العينة، و هو ما يعني بدوره بأن هذا المتغير ليس له أي تأثير يذكر على متغير « الحلول المقترحة للحد من الجريمة « .
الفرضية الخامسة : أن معنوية معامل الإنحدار b4 لمتغير « تواجد المستجوب مع أحد أقاربه في نفس مكان عمله « ، تساوي صفر في المجتمع الذي سحبت منه العينة، ما يفيد بأن هذا المتغير ليس له تأثير على متغير « الحلول المقترحة للحد من الجريمة « .
الفرضية السادسة : أن معنوية معامل الإنحدار b5 لمتغير « سبب قدوم أول شخص من الأسرة إلى الحي الصفيحي « ، تساوي صفر في المجتمع الذي سحبت منه العينة، مما يدل على أن ليس لهذا المتغير تأثير على المتغير التابع الذي هو « الحلول المقترحة للحد من الجريمة « .
الفرضية السابعة: أنه لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين القيم المشاهدة، والقيم المتوقعة بالنموذج الذي تمت صياغته.

الفقرة الثالثة: النتائج
أولا: نتائج تقدير و إختبار النموذج اللوجستي لعينة البحث بخصوص الحلول المقترحة للحد من الجريمة
لقد قمنا بتوفيق معطيات المتغيرات المستقلة الخمس الفاعلة في متغير التابع، و ذلك للإجابة عن سؤال مدى ملائمة هذا النموذج من جهة، و للإجابة على الفرضيات السبع السالفة الذكر، و التي تم بناؤها من أجل تقييم نتائج معنوية هذا النموذج.
و بعد إعتماد التقنيات الواردة في برنامج الحزم الإحصائية للعلوم الإجتماعية (SPSS)، بحيث تم إدخال المتغيرات في النموذج وفق طريقة إدخال المتغيرات دفعة واحدة (Méthode : Entrer). قام هذا الأخير بإخراج المعطيات المتعلقة بالنموذج الذي تم إنشاؤه، و الذي كانت مقدراته من خلال المعاملات المعتمدة فيه و التي هي بوحدات »log-odds »، لتكون معادلة النموذج الرياضية على الشكل التالي :
loge(p/1-P)=-2.961+1. 162×1+ 6.423×2- 2. 177×3–0.922 x4+ 2.124 x5
حيث أن (p) هي إحتمال الحصول على الإجابة « أن الحل المقترح هو الحد من الفقر »، و أن (p-1) هي إحتمال الحصول على الإجابة « أن الحل المقترح ليس هو الحد من الفقر ». في حين أن المعاملات المدرجة بالمعادلة المذكورة أعلاه هي التي ستقوم بتفسير العلاقة بين المتغيرات المستقلة و المتغير التابع بوحدات اللوجت »logit ».
ولابد من الإشارة بهذا الصدد بأن عملية صياغة النموذج ابتدأت في مرحلة أولى بإدخال الثابت فقط للإستدلال على المعطيات الخاصة بالنموذج بدون إدخال المتغيرات المستقلة الأخرى، و ذلك لضبط أثرها مجتمعة في متغير الإستجابة، و هو المتغير التابع لتحديد كفاءة النموذج ككل.
لذلك قمنا بفحص المعطيات الخاصة بالثابت، فتبين أن النموذج توقف عند المرحلة الثالثة بقيمة قدرت فيها إحصاءة الإمكان الأعظم « -2 log-  » بمقدار399.403، و قيمة الثابت تساوي 0.475، و إحصاءة « وولد  » « wald » لهذا الثابت تساوي 16.029، و قيمة مستوى المعنوية « sig « الخاصة بهذه الإحصاءة يساوي 0000.، و هي أصغر من مستوى المعنوية الذي حددناه كسقف لرفض الفرضية الصفرية الذي هو (α = 0.05)، لهذا السبب فإننا نرفض الفرضية الصفرية، أي أننا نقبل معنوية هذا الثابت في النموذج في المرحلة الأولى.

أما فيما يتعلق بتوفيق النموذج ككل، فإن إحصاءة مربع كاي تساوي 292.359، بدرجة حرية بلغت 5 (و هو عدد المتغيرات المستقلة المعتمدة في النموذج)، و ذلك بقيمة إحتمالية وصلت إلى أدني مستوى لها و هو 0.000، و هو ما يعني أن هذا النموذج ذو دلالة إحصائية في تخفيض قيمة لوغاريتم دالة الترجيح للنموذج الذي يتضمن حد الثابت فقط، ذلك أن إحصاءة الإمكان الأعظم قد وصلت في النموذج الذي تضمن حد الثابت فقط 399.403، قد تقلصت إلى.044107، و بقيمة إحتمالية وصلت إلى 0.000، التي هي أقل من 0.05.
هذا إضافة إلى أن هذه المعطيات تعني أيضا أن النموذج الذي تضمن المتغيرات الخمس باستطاعته أن يفسر الاختلاف الذي يمكن أن يحصل بين الإجابتين، كون الحل الذي يقترحه ساكنو أحياء الصفيح للحد من الجريمة هو « الحد من الفقر » داخل الحي، أو حلول أخرى « ليس هو الفقر »، كما تعني أن النموذج الذي تضمنت صياغته تلك المتغيرات، يتنبأ بذلك أفضل من النموذج الذي لا يتضمن تلك المتغيرات. و من خلال ذلك يمكن القول على أن للمتغيرات المستقلة أهمية كبيرة في تفسير الحل الذي يقترحه ساكنو أحياء الصفيح للحد من الجريمة، وأنه قد تم رفض الفرضية الصفرية، و تبني الفرضية البديلة التي بمقتضاها تم إثبات أن هناك على الأقل معاملا من المعاملات المتضمنة في النموذج لا يساوي صفرا، أي أن هناك على الأقل متغير من المتغيرات التي تعكس الظروف المادية للسكان (الواردة بالمتغيرات المستقلة)، لها أهمية و تأثير في الحل الذي يقترحه ساكنو أحياء الصفيح للحد من الجريمة، مما يعني أنه قد تم إثبات الفرضية البديلة الأولى في هذا النموذج.
و نضيف بهذا الصدد أن قيمة إختبار »هوزمر و لامشو » التي تركز في حسابها على توزيع مربع كاي، تساوي 8.509، بدرجة حرية تساوي 7، و قيمة إحتمالية تساوي 0.290، عند سقف 0.05 كحد أقصى لرفض الفرضية الصفرية، و بما أن القيمة الإحتمالية المحسوبة هي أكبر من السقف المحدد لرفض الفرضية الصفرية، فإنه لا يوجد من المعطيات ما يفيد رفضها، و بالتالي فإننا نقبلها،علما أن مقتضاها ينص على أنه لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين القيم المشاهدة و القيم المتوقعة من النموذج الذي تمت صياغته، وبذلك يتم إثبات الفرضية السابعة. و أن لهذا النموذج قوة توقعية تساعد على حساب الإحتمالات المستقبلية لمتغير الحل الذي يقترحه ساكنو أحياء الصفيح للحد من الجريمة في أحياء الصفيح بسيدي مومن.
من خلال نافذة المخرجات لبرنامج الحزم الإحصائية لقيم التوافق الخاصة بإختبار »هوزمر و لامشو »، يتبين بأن معطيات القيم المتوقعة قريبة من المعطيات الخاصة بالقيمة المشاهدة، إضافة إلى أن الغالبية العظمى للقيم المتوقعة هي أعلى من الواحد الصحيح، كما أن لديها تكرارات في غالبيتها تتجاوز الخمسة تكرارات، مما يعني أن الإختبار لا يعاني من التحيز نحو عدم الدلالة الإحصائية، و أن الإفتراضات التي بني عليها هذا الإختبار محققة، وأن نتائجه تتمتع بالموثوقية.
كما يلاحظ من خلال جدول التصنيف أن حساسية التصنيف قد بلغت 94%، وأن دقة التصنيف قد ناهزت 96% من الحالات الصحيحة، و هو معطى أساسي يبين أن النموذج يصلح للتوقع الصحيح للأغلبية الساحقة للحالات.

ثانيا: قياس أثر المتغيرات المستقلة على المتغير التابع الثنائي القيمة
أما إذا عدنا إلى تفسير المعطيات الإحصائية المتعلقة بالمتغيرات المستقلة، فإننا نجد أن المرتبة الأولى في التفسير أو التوقع احتلها متغير »سبب حدوث الجرائم »، ذلك أن نسبة الترجيح (Odds Ratio) التي تعود إليه قد بلغت .794615، أي أن الزيادة في قيمة هذا المتغير المستقل بدرجة واحدة في إتجاه إحتمال النجاح (و ذلك بأن تكون الإجابة أن الفقر هو سبب حدوث الجرائم)، تؤدي إلى الزيادة في معامل الترجيح بأن يكون مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي بنسبة615.794 مرة، بمعنى أن إحتمال أن يكون مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي سوف يقع في كل 642.30 مرة لكل 100 مرة لا يكون فيها مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي، على إعتبار أن إحتمال حدوث هذا التغيير سيكون أكبر من إحتمال عدم حدوثه، لأن قيمة معامل الترجيح تتجاوز الواحد الصحيح من جهة، ولا تساوي الصفر أو قريبة منه من جهة أخرى ( قيمة معامل الترجيح تساوي.423 6، بقيمة إحتمالية تساوي 0.000)، مما يؤدي إلى رفض الفرضية الثالثة التي صغناها لتقدير قيمة النموذج، و يثبت بأنه على الأقل القيمة المقدرة للمتغير الثاني لا تساوي الصفر.
في حين أن المرتبة الثانية في التفسير أو التوقع احتلها متغير »سبب قدوم أول شخص إلى الحي »، ذلك أن نسبة الترجيح (OR) التي تعود إليه قد بلغت 8.361، أي أن الزيادة في قيمة هذا المتغير المستقل بدرجة واحدة في إتجاه إحتمال النجاح (و ذلك بأن تكون الإجابة أن الشغل هو سبب قدوم أول شخص إلى الحي)، تؤدي إلى الزيادة في معامل الترجيح بأن يكون مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي بنسبة8.361 مرة، بمعنى أن إحتمال أن يكون مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي سوف يقع في كل 212.40 مرة لكل 100 مرة لا يكون فيها مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي، على اعتبار

أن إحتمال حدوث هذا التغيير سيكون أكبر من إحتمال عدم حدوثه،لأن قيمة معامل الترجيح تتجاوز الواحد الصحيح من جهة، ولا تساوي الصفر أو قريبة منه من جهة أخرى ( قيمة معامل الترجيح تساوي 2.124، بقيمة إحتمالية تساوي 0.002)، مما يؤدي إلى رفض الفرضية السادسة التي صغناها لتقدير قيمة النموذج، و يثبت بأنه على الأقل القيمة المقدرة للمتغير الخامس لا تساوي الصفر.
إلاأن المرتبة الثالثة في التفسير أو التوقع قد عادت إلى متغير »عدد الجرائم المرتكبة خلال أسبوع »، ذلك أن نسبة الترجيح (OR) التي تعود إليه قد بلغت 3.197، أي أن الزيادة في قيمة هذا المتغير المستقل بدرجة واحدة في إتجاه إحتمال النجاح (و ذلك بأن تكون الإجابة أن عدد الجرائم قليلا)، تؤدي إلى الزيادة في معامل الترجيح بأن يكون مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي بنسبة3.197مرة، بمعنى أن إحتمال أن يكون مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي سوف يقع في كل 116.20 مرة لكل 100 مرة لا يكون فيها مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي، على إعتبار أن إحتمال حدوث هذا التغيير سيكون أكبر من إحتمال عدم حدوثه، لأن قيمة معامل الترجيح تتجاوز الواحد الصحيح من جهة،ولا تساوي الصفر أو قريبة منه من جهة أخرى ( قيمة معامل الترجيح تساوي 1.162، بقيمة إحتمالية تساوي 0.036)، مما يؤدي إلى رفض الفرضية الثانية التي صغناها لتقدير قيمة النموذج، و يثبت بأنه على الأقل القيمة المقدرة للمتغير الأول لا تساوي الصفر.
جاء متغير »تواجد المستجوب مع أحد أقاربه في نفس مكان عمله « ، في المرتبة الرابعة، ذلك أن نسبة الترجيح (OR) التي تعود إليه هي0.398، أي أن الزيادة في قيمة هذا المتغير المستقل بدرجة واحدة في إتجاه إحتمال النجاح (و ذلك بأن تكون الإجابة بنعم)، تؤدي إلى الزيادة في معامل الترجيح بأن يكون مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي بنسبة0.398 مرة، وهي نسبة ضعيفة جدا لا يمكن فهم أثرها إلا إذا أخذنا بعين الإعتبار بأن العلاقة بين هذا المتغير المستقل والمتغير التابع الثنائي القيمة هي علاقة عكسية، و يفيد ذلك أن إحتمال أن يكون مقترح الحد من الجريمة هو حل آخر غير الحد من الفقر داخل الحي سوف يقع في كل 92.20 مرة لكل 100 مرة، يكون فيها مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي، على إعتبار أن إحتمال حدوث هذا التغيير سيكون أقل من إحتمال عدم حدوثه، لأن قيمة معامل الترجيح لا تتجاوز الواحد الصحيح إلا أنها لا تساوي الصفر( قيمة معامل الترجيح تساوي -0.922 ، بقيمة إحتمالية تساوي 0.043)، مما يؤدي إلى رفض الفرضية الخامسة التي صغناها لتقدير قيمة النموذج، و يثبت بأنه على الأقل القيمة المقدرة للمتغير الرابع لا تساوي الصفر.
أما المرتبة الخامسة والأخيرة فقد إحتلها متغير »رضا المستجوب عن عمله الحالي »،ذلك أن نسبة الترجيح (OR) التي تعود إليه هي0.113، أي أن الزيادة في قيمة هذا المتغير المستقل بدرجة واحدة في إتجاه إحتمال النجاح (و ذلك بأن تكون الإجابة بأن المستجوب راض عن عمله الحالي)، تؤدي إلى الزيادة في معامل الترجيح بأن يكون مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي بنسبة 0.113 مرة،وهي نسبة ضعيفة جدا، ذلك أن العلاقة بين هذا المتغير المستقل والمتغير التابع الثنائي القيمة هي علاقة عكسية، مما يفيد أن إحتمال أن يكون مقترح الحد من الجريمة هو حل آخر غير الحد من الفقر داخل الحي سوف يقع في كل 217.70 مرة لكل 100 مرة يكون فيها مقترح الحد من الجريمة هو الحد من الفقر داخل الحي، على إعتبار أن إحتمال حدوث هذا التغيير سيكون أقل من إحتمال عدم حدوثه، لأن قيمة معامل الترجيح لا تتجاوز الواحد الصحيح إلا أنها لا تساوي الصفر( قيمة معامل الترجيح تساوي2.177-، بقيمة إحتمالية تساوي 0.001)، مما يؤدي إلى رفض الفرضية الصفرية الرابعة التي صغناها لتقدير قيمة النموذج، و يثبت بأنه على الأقل القيمة المقدرة للمتغير المستقل الثالث لا تساوي الصفر.
ولم يبق لنا في آخر هذا التحليل إلا أن نؤكد بأن جميع متغيرات النموذج اللوجستي المعتمد لا تساوي صفر، وبالتالي يتم رفض الفرضية الصفرية الأولى، والتي مفادها أن مجموع متغيرات النموذج الذي تم توليفه يساوي صفر، والتأكيد بأن النموذج الذي تمت صياغته بمعية المتغيرات المستقلة الخمس يتوقع أحسن من النموذج الذي لا يتضمنها، ذلك أنه يفسر نسبة 85% من التغيرات التي تطرأ على المتغير التابع الثنائي القيمة (قيمة R-deux de nagelkerke تساوي 0.85(.

خلاصة و مناقشة
من خلال المعطيات الإحصائية، يتبين الأثـــر الكبير الذي يمكن أن يلعبه متغير « سبب حدوث الجريمة » في الحد من هذه الأخيرة، خاصة في الجانب الذي حقق حالة النجاح في النموذج، إذ أنه كلما كان السبب هو الفقر كان للحد منه أثر كبير على الحد من الجريمة، وهو إرتباط منطقي يجعل السبب في التحكم بالمتغيرين هو حالة الفقر المدقع الذي يجتاح هذه الأحياء. هذه النتيجة تتوافق مع ما جاء في فرضية البحث الأولى، والتي تقتضي أن العلاقة بين متغيري الحد من الجريمة، والحد من الفقر هي علاقة طردية، بحيث أن الزيادة في أحدهما تؤدي إلى الزيادة في الآخر، والنقصان في أحدهما يؤدي بدوره إلى النقصان في الآخر. إلا أنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن سبب حدوث الجرائم بأحياء الصفيح يعتبر مكونا من مكونات مفهوم الجريمة، على الأقل من الناحية الوصفية، التي يبدو معها لأول وهلة أن لا علاقة بين ما يقع كجرائم قد تصل إلى القتل، وبين الفقر الذي قد يكون منتشرا حتى في أوساط اجتماعية أخرى غير أوساط أحياء الصفيح.
إننا إذا تفحصنا مسلسل تجدر الفقر في الأحياء المعنية بالدراسة، نجد أنها قد تعرضت في أول الأمر إلى فقر يمكن تلخيصه بصفة أساسية في الدخل، لتعقبه مراحل متتالية من الحرمان، التي ابتدأت بمحدودية القدرة على الاستهلاك، بل وانعدامها في أحيان كثيرة، وانتهت بالضعف الكبير الذي تميزت به جودة الخدمات العمومية من قبيل الخدمات الصحية، والتعليمية، والسكنية وغيرها، لنصبح في الأخير إزاء عملية اقصاء اجتماعي.
وإنه سيكون الأهمية بمكان الإشارة بهذا الصدد إلى أن الإقصاء (أو الإستبعاد)، يحيل على بوائق أخرى لا تزيد الفقير إلى ضررا وحاجة، وذلك من قبيل تدمير قدرة هذا الأخير على أن يتدارك ما بقي من كفاءته لمحاولة تجنب الإقصاء الكلي ، أو على الأقل لوقف حالة النزيف الإجتماعي الذي يقود في آخر المطاف إلى الإحساس بالضياع ، وفقد الأمل في تدارك الوضع الإجتماعي وإعادته أو تحويله إلى حيث بر الأمان، إن لم يكن للأجيال السابقة، فللأجيال اللاحقة.

إلى أنه ومع تلاشي ذلك الحلم، يرتفع معدل الجريمة، خاصة في صفوف الشباب العاطل الذي يعتبر نفسه خارج دائرة الإدماج الإجتماعي، الذي قد تتجلى بعض آثاره على المستوى الرمزي أو الشكلي، من قبيل الحرية الفردية، والتمتع بالحماية القانونية، وتوفر الخدمات العمومية بالمجان. إلا أن الحقيقة التي تبقى غائبة، هي تلك المحتوية على المساواة المادية، ممثلة بشكل أساسي في الشغل المجزي عن الفقر. ولئن كان توفر بعض الخدمات العمومية في الآونة الأخيرة بهذه الأحياء ( مثل التعليم المجاني)، فإنه لم يزد الأمر إلى سوءًا، ومناط ذلك أن الشباب المتعلم العاطل عن الشغل، قد عطف حاله اليوم على حال الآباء والأجداد من الأجيال السابقة في أحياء الصفيح، والتي وإن تميز تاريخها باندماج إجتماعي ذاتي، إلا أنها قد عانت من الفقر والحرمان ما عانت، حتى سكنت أحياء الصفيح هربا من إقصاء عاشته بدورها بمعية العائلة الممتدة في مناطق قروية عدة، لهذا كان أكبر أسباب الجريمة هو الفقر، مقررا بذلك حالة واقعية جاءت على لسان شباب أحياء الصفيح أنفسهم.
أما التأثير الذي أحدثه متغير  » سبب قدوم أول شخص إلى الحي » فإن مرده إلى الشغل، بحيث أنه كلما كان سبب القدوم هو الشغل، كان حل الحد من الجريمة هو الحد من الفقر، وهو إرتباط نفهمه إذا ما علمنا أن الأجيال الأولى التي جاءت إلى أحياء الصفيح كانت تلتمس الإستقلال بذاتها، من خلال الإستقرار بحي يفتقر إلى أدنى شروط العيش الكريم، إلا أنها مع ذلك كانت تفضل العيش به. وتفسير ذلك يعود إلى أن هؤلاء القادمين الأوائل كانوا يعتبرون نمط العيش هذا مجرد بداية في ضواحي مدينة كبيرة قد تتغير بعدها الأحوال إذا توفرت بعض الفرص التي تتيح حراكا إجتماعيا مهنيا أكثر قيمة، خاصة مع إزدياد حصول الشباب على تعليم قد يكون عاليا في كثير من الأحيان.
إلا أن الذي حدث هو أنه، وبعد إمتهان أغلب عناصر الجيل الأول للفلاحة، لتواجد عدد من الضيعات الفلاحية التي كانت آنذاك محيطة بهذه الأحياء من جهة، ولكونهم كانوا يتوفرون على خبرة واسعة للقيام بهذا العمل من جهة أخرى، حيث كانوا هم أنفسهم في الأصل إما فلاحين أو أبناء فلاحين . توجه أغلب أفراد الجيل الثاني إلى العمل بالوحدات الصناعية، خاصة مع حصولهم على تعليم بسيط لم يتجاوز مستوى الإبتدائي، دفع بهم إلى الحرص على تعليم أبنائهم إلى حين حصولهم على مراتب أهم من تلك التي توقفوا عندها، ليواجهوا في آخر المطاف بالبطالة و الإستمرار في الإقامة بمناطق لا يصفها الناس إلا بكونها منبع الجريمة والإنحراف.

وقد أدى ذلك في مرحلة معينة من التطور المتسارع لهذه الحالة من التهميش إلى قطع العلاقات الإجتماعية، التي قد وصات أحيانا إلى الإنفصال عن الأسرة (تزايد حالات الطلاق، والإنفصال عن الأسرة)، ولذلك كان الشغل المجزي عن الفقر، بالنسبة لأول من قدم إلى الحي الصفيحي، طريقة موضوعية في القضاء على الهشاشة وبالتالي الحد من الفقر، وخاصة فقر القدرات (الصحية، العقلية، النفسية، التعليمية…) الذي يتولد على المدى البعيد من فقر الدخل.
أما متغير عدد الجرائم المرتكبة في الأسبوع، وتأثيره على الحد من الجريمة، فإن علاقته بالفقر معطوفة على الأصل، والذي هو سبب إرتكاب هذه الجرائم، وسيكون من غير المنطقي – بهذا المعنى- أن يتم القضاء على أسباب الجريمة ( والتي ترتد في غالبيتها إلى الفقر)، وتبقى أعدادها مرتفعة، ولذلك فتفسير أثر هذا المتغير يحيل على تفسير ملابسات فعل المتغير الأول -الذي سبق أن تطرقنا إليه- في الحد من الجريمة.
ويبقى العنصر المثير للإهتمام بهذا الصدد هو التأثير العكسي الذي أحدثه كل من متغير  » تواجد المستجوب مع أحد أقاربه في نفس مكان عمله » ومتغير  » رضا المستجوب عن عمله الحالي »
على إعتبار، أنهما (في حالة الجواب بنعم)، سيؤديان إلى أن يكون حل الحد من الجريمة، هو شئ آخر غير الحد من الفقر، وهي نتيجة تؤكد ما جاء في الفرضية الرئيسية لهذه الدراسة، وتتسق مع الآثار التي أحدثتها المتغيرات المستقلة السابقة، وتعليل ذلك يكمن في أن من حصل على شغلٍ آمن (بتواجد أحد أفراد أسرته معه في نفس العمل)، يحقق معه درجة معينة من الرضا، لن يكون بحاجة إلى القضاء على الفقر للحد من الجريمة، بل إنه وعلى العكس من ذلك سوف يلتمس – ولو في رأيه الشخصي على الأقل – أشكالا وحلولا أخرى للحد مما تبقى من هذه الأخيرة، أخذا بعين الإعتبار أن الأغلبية الساحقة ترى أن الحل هو القضاء على الفقر أو الحد منه.
ويبقى في الأخير إلى أن نشير أن هذه الدراسة الأكاديمية، سعت في تقصيها لحقائق الموضوع المدروس – وخاصة على المستوى الميداني- إلى أن تأخذ في الإعتبار، إشراك السكان أنفسهم في إيجاد الحلول. إضافة إلى أنها سعت – ما وسعها ذلك – إلى قراءة وقائع الحاضر بعيون الماضي في محاولةٍ منها لتحليل واقع الجريمة بأحياء الصفيح من خلال مسارات التغير الإجتماعي البعيد المدى. هذا إضافة إلى أنها ركزت على المقاربة الأمبرقية التي تسعى إلى تبني الدقة في تحليل المعطيات، من أجل توفير أرضية علمية صالحة لإجراء بحوث أخرى في نفس الإتجاه يمكن معها مقارنة النتائج، ومعرفة مؤشرات التطور أو التراجع الخاصة بموضوع الفقر والإقصاء الإجتماعي وما يرتبط بهما.

لائحة المراجع
اللغة العربية
أمارتيا صن، « التنمية حرية »، جامعة أكسفورد، نيوديلهي.2000، ترجمة شوقي جلال، سلسلة عالم المعرفة، عدد 303، سنة 2004.
بابطين عادل بن أحمد بن حسن،  » الإنحدار اللوجستي و كيفية استخدامه في بناء نماذج التنبؤ للبيانات ذات المتغيرات التابعة ثنائية القيمة،  » الفصل الدراسي الثاني. /14291430ه، جامعة أم القرى المملكة العربية السعودية.
هيلز جون، لوغران جوليان و بياشو دافيد،  » الاستبعاد الإجتماعي محاولة للفهم »، ترجمة محمد الجوهري، عالم المعرفة 344 ,2007.
النقاشافتخار عبد الحميد ، و صالح هبة إبراهيم : » تحليل المسار في نموذج الإنحدار اللوجستي مع تطبيق عملي ». بحث مشكل من رسالة ماجستير بالعنوان ذاته، مجلة الإدارة و الإقتصاد، العدد70، 2008.
اللغة الفرنسية
– AUTES Michel, « Genèse d’une nouvelle question sociale: l’exclusion ». Lien social et politiques. RIAC.34.1995 ;
– CASTEL Robert, « La dynamique des processus de marginalisation : de la vulnérabilité à la désaffiliation », Cahiers de recherche sociologique, n°22, 1994 ;
– CHEVALIER Jacques, « Le village et les migrants, mutation professionnelle des jeunes agriculteurs et perception de l’espace rural», Etudes rurales, N°58, 1975 ;
– COMMISSION DES COMMUNAUTES EUROPEENNES, « La reconversion des travailleurs, la situation et les problèmes en France », Bruxelles, Septembre 1969 ;
– RACINE Sonia, « Un tour d’horizon de l’exclusion », Service social, vol. 53,n° 1, 2007 ;
– ROY Shirley, « l’itinérance :forme exemplaire d’exclusion sociale ? » ; lien social est politiques. N°34. 1995 ;
– VINCIENNE Monique « Ruraux et urbains devant leur avenir professionnel », Etudes rurales, N°9, 1963 ;
http://www.un.org/fr/millenniumgoals/background.shtml

Direction

PRÉSIDENT DE L’UNIVERSITÉ MÉDITERRANÉENNE DE LA FRANCOPHONIE : Patrick Tacussel DIRECTEUR DE LA RECHERCHE SCIENTIFIQUE : Nasser Michaëlene Gabryel DIRECTION DES AFFAIRES JURIDIQUES ET SECRÉTAIRE

Lire la suite »